
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
تعود البدايات الأولى لبحوث العمليات إلى الحرب العالمية الثانية، عندما استدعت الإدارة العسكرية في بريطانيا فريقاً من العلماء من مختلف التخصصات لدراسة المسائل الاستراتيجية المتعلقة بالدفاع الأرضي والجوي، بهدف الاستخدام الأمثل والفعال للموارد الحربية المحدودة، واهتم الفريق أيضاً بدراسة الأسلوب الأمثل لاستخدام الرادارات الجديدة وكفاءه الأنواع المتاحة من قاذفات القنابل.
إن النتائج المشجعة التي توصل إليها فريق بحوث العمليات البريطاني، حثت الإدارة الحربية الأمريكية على القيام بأنشطة مماثلة، اشتملت على دراسة أنماط جديدة لنقل الجنود وإمداداتهم وتخطيط عمليات زرع الألغام في البحار، ودراسة الاستخدام الأمثل للتجهيزات الإلكترونية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونتيجة للنجاح الكبير الذي حققته الإدارات العسكرية البريطانية والأمريكية، اتجهت أنظار الإدارات الاقتصادية والإدارية والهندسية المختلفة نحو هذا الحقل الجديد من المعرفة حقل “بحوث العمليات”، وبدأت تلك الإدارات في الدول المتقدمة بإنشاء مراكز بحوث متخصصة تضم اختصاصيين في مختلف المجالات العلمية من أجل إيجاد الحلول المثلى للمشكلات التي كانت تواجههم.
إن أهمية علم بحوث العمليات تأتي من مقدرته على نمذجة المشاكل والمواقف الحقيقية في المجالات المختلفة، واستخدامه لأساليب وخوارزميات علمية رياضية في تحليل ودراسة تلك النماذج واستخلاص الحلول المثلى التي تساهم بشكل فعال في عملية اتخاذ القرار المناسب، إلا أن هذا العلم ظل لفترة طويلة يعاني من عدم إمكانية نمذجة المواقف والمشاكل الكبيرة الحجم والمعقدة التركيب، وذلك إما بسبب هيكلية الأساليب والخوارزميات المستخدمة التي يحتاج تطبيقها إلى وقت وجهد كبيرين، أو بسبب أن حجم البيانات الأولية اللازمة لتطبيق الأساليب والخوارزميات كبيراً ويستهلك وقتاً وجهداً ودقة كبيرة، بحيث أن الوقوع بالخطأ أثناء التطبيق مهما كان هذا بسيطاً، ينعكس سلباً على الفائدة المرجوة من الحلول المستخلصة.
وقد ساهم الحاسوب بإمكانياته الهائلة في تذليل أغلب الصعوبات، وإعطاء علم بحوث العمليات دفعاً جديداً وتقدماً مميزاً وأهمية على جميع المستويات فقد أصبحا معاً (الحاسوب بما يتملك من القدرة على حفظ وسرعة تداول ومعالجة البيانات مهما يكن حجمها وبدقة فائقة، وبحوث العمليات بما يتملك من أساليب وخوارزميات حل كثيرة) أداة فعالة وهامة لدى متخذي القرار في مختلف الميادين لمساعدتهم في اتخاذ قرارات سليمة ورشيدة ودقيقة وبالوقت المناسب.
أهم النماذج التي يعالجها علم بحوث العمليات:
أولاً: النماذج الرياضية (Mathematical Models): يتم معالجتها باستخدام طرق حسابية، نذكر من هذه النماذج: النماذج الخطية Linear Models، النماذج اللاخطية Nonlinear Models، نماذج الأعداد الصحيحة Integer Models، النماذج التربيعية Quadratic Models، النماذج الديناميكية Dynamic Models
ثانياً: النماذج الاحتمالية (Probability Models): وهي نماذج رياضية تخضع بعض أو كل متغيراتها إلى قوانين احتمالية، من هذه النماذج نذكر: نماذج صفوف الانتظار Queuing Models، نماذج الألعاب Game Models، نماذج التخزين Inventory Models، النماذج الشبكية Network Models (PERT)
ثالثاً: نماذج البحث والاستقصاء والمحاكاة (Simulation and Heuristic Models) والتي تهدف إلى تقليد النظام المدروس بنظام فرضي يحاكي النظام الحقيقي ومراقبة التغيرات التي تطرأ على النموذج المحاكى خلال فترة زمنية محددة.
يتضمن هذا الكتاب بعض مواضيع بحوث العمليات ذات الاستخدام الواسع في الحياة العملية موزعة على أربع وحدات رئيسية، كل منها مكونة من عدة فصول كما يلي:
الوحدة الدراسية الاولى تناولنا فيها بشكل مفصل البرمجة الخطية كأحد أهم نماذج بحوث العمليات وأكثرها شيوعاً ضمن عدة فصول:
حيث تناولنا في الفصل الاول مفهوم البرمجة الخطية وبنية نماذجها بالإضافة إلى آلية صياغة نماذجها، وفي الفصل الثاني تناولنا الاسلوب البياني لحل نماذج البرمجة الخطية، وفي الفصل الثالث مفهوم الترافق وأهميته، وفي الفصل الرابع قدمنا أحدث خوارزمية توصل إليها العلم في حل البرامج الخطية مهما يكن حجمها ونوعها، أما الفصل الخامس فقد تناولنا تحليل الحساسية لدراسة أثر التغيرات التي تحدث في النموذج الأولي للمشكلة بالاعتماد على جدول الحل الأمثل وحساب اثر هذه التغيرات مباشرة دون اللجوء إلى حل المسألة مجدداً.
الوحدة الدراسية الثانية تضمنت بعض نماذج البرمجة الخطية التي تحل بطرق خاصة بالإضافة الى حلها باسلوب السمبلكس:
في الفصل السادس تناولنا ايجاد الحل الامثل لنماذج النقل، بحيث تلبى حاجة مراكز الاستيراد بأقل تكلفة ممكنة مع الأخذ بعين الاعتبار الكميات المتوفرة في كل مركز تصدير. وفي الفصل السابع تناولنا إيجاد الحل الامثل لنماذج التخصيص (التعيين) لتوزيع n وظيفة (مهمة) على n عامل أو (آلة) وينفذ كل وظيفة عامل واحد فقط، بحيث تكون تكلفة التخصيص (التعيين) الإجمالية أقل ما يمكن. وفي الفصل الثامن تناولنا ايجاد الحل الامثل لنموذج البائع المتجول الذي ينطلق من مكان معين ويزور n-1 مكاناً آخر ثم يعود إلى مكان انطلاقه بشرط أن يزور كل مكان مرة واحدة، بحيث تكون تكلفة خط الرحلة أقل ما يمكن. أما في الفصل التاسع فقد تناولنا ايجاد الحل الامثل لنموذج التدفق الأعظمي لتمرير أكبر كمية ممكنة من مركز (منبع) إلى مركز آخر (مصب) من خلال مراكز وسيطة تصل بينها شبكة من الطرق ذات سعات معينة، ويفترض أنه لا يخزن في أي مركز وسيط أية مادة.
الوحدة الدراسية الثالثة فقد تضمنت التحليل الشبكي:
حيث تناولنا في الفصل العاشر مفهوم شبكات الاعمال وآلية تحويل المشروع الى شبكة أعمال واستخدام كل من اسلوب المسار الحرج CPM وتقنية تقييم ومراجعة المشروع PERT أداة إدارية فعالة في تخطيط وجدولة تنفيذ المشروعات ومتابعة عمليات التنفيذ والرقابة عليها.
الوحدة الدراسية الرابعة خصصتلدراسة نظرية الألعاب:
حيث تناولنا في الفصل الحادي عشر مفهوم الالعاب واساليب ايجاد الحل الامثل لنماذج الالعاب بين شخصين ومجموع صفري، لتحديد استراتيجيات كل لاعب وقيمة اللعبة ولصالح من باستخدام: نقطة التوازن، الطريقة الجبرية، حذف التراكيب المحكومة، اسلوب السمبلكس. اما الفصل الثاني عشر فقد تناولنا اساليب ايجاد الحل الامثل لنماذج الالعاب بين عدة اشخاص ومجموع صفري، باعتماد اسلوب التحالفات أو التخصيصات بالإضافة إلى ايجاد الحل الامثل لنماذج الالعاب بين عدة اشخاص بدون المجموع الصفري.
نرجو من الله تعالى ان أكون قد وفقت في تحقيق الهدف الأساسي من هذا الكتاب، والذي يتجلى في تغطية مفردات مادة بحوث العمليات التي تدرس في الجامعات في أقسام العلوم الاقتصادية والإدارية والهندسية والحاسوبية، وتلبي رغبات المهتمين بتطبيقات بحوث العمليات، وتقدم للقارئ أياً كان موقعه، أساليب المعالجة السهلة والبسيطة لحل المشاكل المختلفة في الحياة العملية بالإضافة إلى لأمثلة التوضيحية التي تشرح المفاهيم الأساسية المختلفة، متجنبين البراهين الرياضية غير الضرورية للقارئ من أجل استيعاب مفردات هذا الكتاب وفهم جوانبه التطبيقية.
وإني إذ أضع هذا الكتاب بين أيدي طلابنا وزملائنا الأعزاء، لا أدعي أنني وصلت إلى درجة الكمال، ولكن حاولت أن أساهم بجهد متواضع في بناء مكتبة عربية تزخر بالمؤلفات العلمية في هذا المضمار، كما أرجو من الزملاء الأعزاء أن لا يبخلوا علينا بأية ملاحظات يرونها ضرورية من أجل تطوير مادة هذا الكتاب لتكون على أحسن صورة وأتمها.
نسأل الله تعالى أن يجعله علماً نافعاً لأبناء أمتنا العربية وأن يمن علينا بتوفيقه ورضاه، والله ولي التوفيق
المؤلفــ : أ. د. ابراهيم نائب